خاص

الاقتصاد الأميركي

على الرغم من أن أرقام سوق العمل في القطاع غير الزراعي الأميركي طمأنت الأسواق إلى أن الركود بعيد، غير أن خبراء أكدوا في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن بيانات قوية لأسبوع واحد لا تكفي لطمأنة الأسواق، متوقعين أن يشهد الاقتصاد الأميركي وأغلب اقتصادات العالم ركوداً اقتصادياً في النصف الثاني من العام الجاري، أو الربع الأخير من العام على أبعد تقدير.

وارتفعت معدلات التوظيف في الولايات المتحدة مجدداً في مايو، إذ تمت إضافة 339 ألف وظيفة متجاوزة التقديرات، وارتفعت أكثر بكثير من 294 ألف وظيفة في أبريل، وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل البطالة إلى 3.7 في المئة، مقارنة مع مستواه المنخفض تاريخياً عند 3.4 في المئة، وتراجع ارتفاع الأجور بشكل طفيف مع ارتفاع متوسط الدخل في الساعة بنسبة 0,3 في المئة بتراجع طفيف عن 0,4 في المئة في أبريل، بحسب بيانات حكومية، صدرت الجمعة، حيث عقّب الرئيس الأميركي جو بايدن، على البيانات بقوله “اليوم هو يوم خير للاقتصاد الأميركي وللعمال الأميركيين”. وأضاف أن معدل البطالة انخفض إلى أقل من أربعة في المئة مدة 16 شهرا متتالية”.

وفيما يتعلق ببيانات إعانة البطالة، سجل عدد الأميركيين الذين قدموا طلبات جديدة ارتفاعا كبيرا الأسبوع الماضي، وهو ما يشير إلى تباطؤ سوق العمل مع تزايد مخاطر الركود.

وقالت وزارة العمل، الخميس، إن الطلبات المقدمة للمرة الأولى للحصول على إعانة البطالة الحكومية زادت 28 ألف طلب إلى مستوى معدل في ضوء العوامل الموسمية يبلغ 261 ألفا في الأسبوع المنتهي في الثالث من يونيو. وكان اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم توقعوا تقديم 235 ألف طلب في أحدث أسبوع.

البنك الدولي وتوقعات النمو

ورفع البنك الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري من 1.7 بالمئة، حسب توقعاته الصادرة في يناير، إلى 2.1 بالمئة، في تقريره الأخير، “الآفاق الاقتصادية العالمية”، مقابل 3.1 بالمئة حققها الاقتصاد خلال 2021، وعدل البنك توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي بالرفع خلال 2023 إلى 1.1 بالمئة من 0.5 بالمئة في يناير، لكنه خفض أيضا توقعاته لأكبر اقتصاد في العالم خلال 2024 بمقدار النصف إلى 0.8 بالمئة من 1.6 بالمئة.

بدورهم، وأشار مسؤولو مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أنه من المرجح أن تبقى أسعار الفائدة عند المستويات الحالية في اجتماعهم المقبل 13 و14 يونيو الجاري قبل الاستعداد لرفعها مرة أخرى في وقت لاحق من هذا الصيف.

الركود الاقتصادي

ويعرّف المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية في الولايات المتحدة الركود على أنه “الانخفاض الكبير في مستويات النشاط الاقتصادي، والذي يستمر لأكثر من بضعة أشهر، والمتمثل في انخفاض مستويات الإنتاج والتوظف والدخل الحقيقي وغيرها من المؤشرات “، وغالبا ما يبدأ الركود عندما يصل الاقتصاد إلى قمة النشاط، وينتهي عندما يصل الاقتصاد الى أدنى مستوياته، فيما يراه البنك الدولي متمثلاً في “انكماش اقتصادات العديد من الدول الكبرى في ذات الوقت، بالإضافة الى مؤشرات أخرى تدل على ضعف النمو الاقتصادي العالمي، تتمثل في الانخفاض المطول في الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدل البطالة مع انخفاض الطلب الكلي على السلع والخدمات”.

وفي تحليله لبيانات الاقتصاد الأميركي خلال الأسبوع الماضي يقول الخبير الاقتصادي ووزير اقتصاد سابق الدكتور نضال الشعار: “كان الأسبوع الماضي إيجابياً جداً بالنسبة للاقتصاد الأميركي إذ ارتفعت جميع المؤشرات، وجاءت المتغيرات الاقتصادية أفضل من المتوقع، ونستطيع القول أنه أسبوعاً مفاجئاً وتحديداً فيما يخص بيانات العمل التي كانت أفضل بكثير من المتوقع بحدود 339 ألف وظيفة جديدة، بينما المتوقع بحدود 190 ألف وظيفة، الأمر الذي شكل تحفيزاً للأسواق إلى جانب تغيير مزاج الكثير من المستثمرين، حيث لم يعد الكلام يدور في الأسواق حول الركود الاقتصادي بموجب هذه البيانات بل بات هناك قناعة أن الاقتصاد الأميركي أصبح بوضع جيد وسوف يتبعه الاقتصاد الأوروبي”.

كما شهد الأسبوع الماضي ارتفاع سعر صرف الدولار وانخفاض سعر الذهب، انطلاقاً من العلاقة العكسية بينهما، إلى جانب انخفاض سعر البترول إلى 68 دولاراً للبرميل ثم معاودة الارتفاع إلى 72 دولاراً للبرميل وهذه النظرة التفاؤلية تؤشر لنمو اقتصادي قادم وبالتالي زيادة الطلب على البضاع والخدمات وكذلك على البترول ومشتقات الطاقة بشكل عام، بحسب الدكتور الشعار.

لكن الدكتور الشعار يرى أن بيانات قوية لأسبوع واحد لا تكفي حتى يغير نظرته للاقتصاد الأميركي والعالمي ويتوقع أن يشهد الاقتصاد الأميركي وأغلب اقتصادات العالم ركوداً اقتصادياً في النصف الثاني من العام الجاري، كما يرى أن البيانات الاقتصادية لن تكون إيجابية في المستقبل كما كانت الأسبوع الماضي وبالتالي تغيير النظرة التفاؤلية بنمو اقتصادي سريع تتجاوز الواقع.

ويضف الشعار: “بالمقابل هناك تصعيد للوضع الجيوسياسي المتأزم بين روسيا وأوكرانيا، فكيف يتم التفاؤل بالوضع الاقتصادي العام في العالم في ظل هذا التصعيد، فضلاً عن أن أوروبا لا تزال تعاني من التضخم رغم انخفاضه إذ أن السياسات الأوروبية تتجه نحو رفع سعر الفائدة، وكذلك السياسة النقدية الأميركية، فهذا التفاؤل البسيط جعل المستثمرين يعتقدون أن المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نجح بسياسته في تحجيم معدلات التضخم وأنه مستمر في سياته برفع الفائدة، في حال ظل هذا التفاؤل سارياً حتى فسنشهد رفع الفيدرالي لأسعار الفائدة الأمر الذي سيهم برفع سعر صرف الدولار”.

بدوره يقول مازن سلهب كبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA”، في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “إن الركود هو الحالة الاستثنائية في الاقتصاد وليس هو الاتجاه العام، فأميركا مثلاً شهدت أربعة عشر ركوداً منذ 1930 حيث كانت سنوات الكساد العظيم، وتاريخياً كانت فترات الركود قصيرة نسبياً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار تاريخ نمو الاقتصاد ودورة النمو في الاقتصاد، فالركود مثلاُ بتأثير الجائحة استمرت شهرين فقط، بينما استمر بتأثير الأزمة المالية العالمية 2008 عاماً ونصف العام.

ويضيف سلهب: “حتى نكون دقيقين، الركود هو أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي لبلد ما في ربعين سنويين متتالين، بحيث يصبح نمواً سلبياً أي أدنى من 0 بالمئة، ونما اقتصاد الولايات المتحدة بنسبة 1.3 بالمئة في الربع الأول من هذا العام وهو الأضعف منذ الربع الثاني العام الفائت، لكن لنجيب عن سؤال الركود في أمريكا لابد أن نعرف أولاً ماهي مكونات النمو أصلاً في الناتج المحلي الإجمالي؟ العوامل التي تؤثر في الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة هي الاستهلاك الشخصي ونفقاتها وهذا يشمل الخدمات كالبنوك والطبابة والتعليم، إضافةَ الى الاستثمارات الداخلية الأميركية، صادرات السلع والخدمات الأميركية، إضافةً الى الانفاق الحكومي واستهلاكها”.

قد تكون أرقام سوق العمل في القطاع غير الزراعي الأميركي طمأنت الأسواق إلى أن الركود بعيد، ولكن أن الركود أصلاً لا يحدث فجأة أو بسرعة، فقد بقيت مستويات الإنفاق الشخصي الأميركي قوية لكن أرقامها الشهرية تتباين كثيراً وبسرعة، وفي ثقة المستهلك الأميركي هناك استقرار نسبي وهذا جيد لكن المؤشر على خمس سنوات أعطى إمكانية التراجع وهذا قد ينعكس في إنفاق واستهلاك أضعف، أما مستويات الدخل الشخصي فإنها تبدو جيدة حالياً وارتفعت 0.4 بالمئة في أبريل مقابل 0.3 بالمئة في مارس وهذه أيضاً إشارة إيجابية، طبقاً لما قاله سلهب.

ويشرح كبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA”، أن بقاء الفائدة مرتفعة في أميركا، حتى لو لم يرفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي سعرها في اجتماعه المقبل بعد أسبوع ستضغط على قطاع الإسكان والذي يشكل الإنفاق فيه 12-13 بالمئة في الناتج المحلي وهذا سيكون محور الـتأثر فيما لو تم رفع الفائدة في الاجتماع المقبل حيث وصلت الفائدة في الولايات المتحدة حالياً إلى 5.25 بالمئة وهي الأعلى منذ 2007/2008.

وهنا يمكن القول، يتابع سلهب، “إن الركود في أميركا في حال حدوثه فانه لن يحدث قبل الربع الأخير من هذا العام، لأن تراجع الاستهلاك والانفاق وثقة المستهلكين وسلوكهم يتطلب تراجعاً في سوق العمل ومستويات الأجور وهذا باعتقادنا لن يحدث بسرعة كبيرة، ليس قبل ستة أشهر على أقل تقدير.

ويرى سلهب أن أرقام الوظائف الأميركية القوية تفتح مجالاً لرفع الفائدة مجدداً بعد أسبوع لتصل 5.50 بالمئة، لكن مع ذلك ستكون دورة رفع الفائدة الأميركية قد شارفت على نهايتها أو وصلت نهاية الطريق، متوافقةً مع العد التنازلي البطيء لتراجع التضخم الذي وصل 4.9 بالمئة، مشيراً إلى أن الفيدرالي الأميركي لن يبقي أسعار الفائدة مرتفعة إذا استمر التراجع التدريجي للتضخم، وبالتالي قد يرفعها بعد أسبوع بربع نقطة مئوية ليعطي مجالاً لتخفيضها لاحقاً والحفاظ على أسعار فائدة منطقية في العامين القادمين.

فالسياسة النقدية المتكيفة مع الاقتصاد الحقيقي ستبقى موجودة، حتى لو لم يقل الفيدرالي ذلك. من المهم القول إن عدم رفع الفائدة في الاجتماع القادم قد لا يكون ايجابياً على مؤشرات الأسهم كما يتوقع الكثيرون لأنه قد يعطي إشارةً سلبية معاكسة بأن الاقتصاد بدأ يعطي إشارات إنهاك بسبب رفع الفائدة المستمر، وفقاً لكبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA”.

شاركها.
Exit mobile version