أثارت صورة منشورة للعائلة الحاكمة في سوريا ضجة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، إذ أثارت تساؤلات بين نشطاء وسياسيين حول الغاية من نشر الصورة، وهو أمر يُعدّ سابقة، وتحديداً بعد الانتهاء من عرض مسلسل تناول قصة حياة الأسرة الحاكمة، ولم يتوقف تناول الصورة على وسائط التواصل لاسيما الفيسبوك، بل تحولت الصورة إلى مادة دسمة تناولها بعض صناع المحتوى اليوتيوبرز بالتحليل والتعليق.
على الأغلب كان نشر الصورة مقصوداً، وهو أمر لم يحدث أبداً بهذا الظهور الشامل لأجيال العائلة الثلاثة وبمظهر أريد له أن يكون باذخاً يوحي بالعراقة الأرستقراطية، مع صورة الهالك حافظ في الخلفية، وقد توزعت عن يمينها ويسارها ميداليات بشرائط ملونة.
بهذه الأجيال الثلاثة تبلغ العائلة الأسدية ذروتها في القوة والثراء، ولم يتبقّ أمامها سوى جيل واحد هو الجيل الأخير في السلمّ الخلدوني للأسر الحاكمة، جيل الانهيار.
مناسبة الصورة بتقدير أكثر من مراقب كان عرض مسلسل سوري سياسي قلب سوريا رأساً على عقب، لدرجة يمكن القول معه إنه كان حدثاً سياسياً بامتياز، حدثاً لا سابق له في تاريخ سوريا،
لدرجة يمكن القول معه إنه ليس مسلسلاً تلفزيونياً أو عملاً درامياً، إلا من حيث الشكل، بل هو في حقيقة الأمر مطالعة سياسية خطيرة وكشف حساب فاضح لتاريخ العائلة الحاكمة.
لذلك اجتمعت العائلة لأول مرة بأجيالها الثلاثة من أجل أخذ صورة جماعية تكون بمثابة رد على الصفعة التي وجهها المسلسل- الحدث لها ولمن تبقّى موالياً لها فعلياً وليس نظرياً، داخل سوريا وخارجها.
ولأجل ذلك فإن ضغوطاً مورست على الشركة المنتجة دفعتها لحذف كامل حلقات المسلسل من اليوتيوب، بعد توجيه تهديدات لبطل العمل الفنان مكسيم خليل، ومحاولة إثارة حملة تشويه وإدانة للمسلسل وأبطاله، إضافة لحملة تجاهل تجاه المسلسل مارستها بعض القنوات المعروفة، ومحاولة تسخيف فنانين موالين للنظام لهذا العمل، أمثال الفنان باسم ياخور وعارف الطويل الذي أشيع أنه سيقوم ببطولة مسلسل مضاد يظهر “حقيقة النظام” من وجهة نظر “النظام” بالطبع.
يظهر ما سلف إلى أي مدى تلعب الدراما السورية، بالنظر إلى الظروف السورية المعروفة، دوراً عميقاً في خطاب الجمهور السوري الصامت، وكذلك في خطاب الجمهور السوري المتحرر من الضغوط الأمنية والخوف، وكذلك في تعريف الجمهور العربي إلى حقيقة حكام سوريا، كما أظهر العمل مدى خوف وهشاشة العائلة الحاكمة سواء في تصريحات بعض أفرادها أو في الصورة – كما يُظهر سحب العمل من اليوتيوب مدى الضغوط الهائلة التي مارستها العائلة عبر علاقاتها العربية والإقليمية ربما فقط من أجل منع الجمهور السوري والعربي الذي لم يتح له رؤية العمل في رمضان لأسباب عديدة، مشاهدته لاحقاً عبر يوتيوب.
بعد الآن لا يجوز لنا التعامل مع السلطة الحاكمة أو اعتبارها نظاماً، بل عصابة، أو مافيا، فكم كنا واهمين حينما استخدمنا مصطلح نظام للإشارة إلى هذه السلطة الحاكمة للسوريين أمنياً بشكل أساسي، فهي حتى ليست حاكمة وضابطة لحدود البلاد عسكرياً، ولا يعنيها الدفاع عنها إلا شكلياً بالقدر الذي يحمي استمرار سلطتها، فمن يملك زمام السلطة العسكرية في سوريا هم الروس والإيرانيون، بل إن السلطة الأمنية ذاتها يتحكّم بها الإيرانيون والروس أيضاً من تعيين القيادات أو إقالتها، حتى إن آل الأسد لم يعد لهم أن يتحكموا بالاقتصاد بشكل شبه تام كما كان عليه الأمر قبل الثورة، إذ تراجعت قبضتهم عن الاقتصاد، ليصبحوا شركاء مع آل الأخرس.
والحقيقة أن السلطة الحاكمة في سوريا لم تعد إلا شكلياً، وآل الأسد تراجعت سلطتهم إلى مستوى سلطة عائلية، ومع ذلك يمكن لهذه السلطة بما كوّنته من علاقات عربية وإقليمية، وبما تمثله -عبر بشار الأسد- كأسرة حاكمة لسوريا معترف بها، أن تهدد فريق عمل وتضغط لتوقف أي عمل يسيء إليها، فليس من يستجيب لضغوط الأسرة هذه بأفضل منها كثيراً، فتحالف الأسر الحاكمة العربية يكمل بعضه بعضاً، وهو حريص على سلامة بعضه بعضاً، وحريص أكثر ألا تسقط أي من الأسر الأعضاء، لا سيما بفعل انتفاضة شعبية، لأن ذلك يعني سقوط أسر حاكمة أخرى بذات الطريقة، كما إن هذا التحالف غير المعلن حريص على منع أي برنامج وثائقي أو عمل درامي من النيل من أي أسرة من الأسر الحاكمة، لأن ذلك يعني إمكانية النيل من أسر إضافية عبر نشر تاريخها الذي غالباً لن يكون مشرّفاً.