قدّم المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” جيمس إلدر، وصفاً مروعاً للوضع الإنساني في قطاع غزة، مشيراً إلى أنه لم يرَ في حياته دماراً مثل الذي حدث في خان يونس وغزة، مؤكدا أنّ الأسوأ لم يأتِ بعد في ظل التهديد الإسرائيلي لاجتياح رفح.

اعلان

نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا تناول تصريحات للمتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف”، جيمس إلدر، الذي قال إنّ الوضع في قطاع غزة أصبح مروّعا، مؤكدا أنّه لم يرَ دمارا بنفس مستوى الدمار، الذي شاهده في خان يونس وغزة. وحذر إلدر من تفاقم الدمار في حال اجتياح رفح.

تحدث إلدر عن “مقابر جديدة”، تمتلئ بالأطفال في رفح، في إشارة إلى سقوط عشرات الأطفال يوميا نتيجة القصف الإسرائيلي الذي يستهدف المدنيين بالدرجة الأولى.

وقال إلدر: “الحرب ضد أطفال غزة تجبر الكثيرين على إغماض أعينهم. أغلقت عيني محمد البالغ من العمر تسع سنوات، أولاً بسبب ضمادات غطت فجوة كبيرة في مؤخرة رأسه، وثانياً بسبب الغيبوبة الناجمة عن انفجار ضرب منزل عائلته. محمد الذي يبلغ من العمر تسع سنوات، فارق الحياة”.

وأضاف إلدر: “خلال ثلاث زيارات إلى وحدة العناية المركزة في المستشفى الأوروبي في رفح بغزة، رأيت العديد من الأطفال يشغلون نفس السرير. كل واحد وصل بعد أن دمرت القنابل منزلهم … يموتون رغم الجهود الهائلة التي يبذلها الأطباء”.

قبل بضعة أسابيع فقط، كان العالم يدين القتل غير المبرر لسبعة من عمال الإغاثة التابعين لمنظمة “المطبخ المركزي العالمي”. كان ذلك حدثا قاتما آخر في حرب غزة. وبعد أسبوع، تعرضت سيارة تابعة لليونيسف للقصف أثناء محاولتها الوصول إلى من هم في أمس الحاجة إليها. وقد أدت الغارات الجوية الإضافية هذا الأسبوع في رفح إلى مقتل المزيد من المدنيين، البالغين منهم والأطفال … هذه هي غزة حيث يتلاشى الغضب إزاء الهجمات وسط مآسي جديدة.

من المجاعة التي تلوح في الأفق إلى ارتفاع أعداد القتلى، وآخر المخاوف هو الهجوم المرتقب على رفح في جنوب غزة. وهل يمكن أن تسوء الأوضاع أكثر من ذلك؟ 

لقد مرت ستة أشهر وهذه الحرب تحطم بعضًا من أحلك الأرقام القياسية للإنسانية: تشير التقارير إلى مقتل أكثر من 14000 طفل. لكن ليس هناك تباطؤ في وتيرة القتال أو ضراوته. بل إن الأمور تزداد سوءاً، في ظل تهديدات بتصعيد الوضع.

يتوقع جيمس إلدر انهيار معبر رفح إذا تم استهداف المدينة عسكرياً، فهناك أكثر من 1.4 مليون مدني هناك بالفعل، يعانون من ظروف مزرية. وقد تضررت أو دمرت معظم منازلهم وتحطمت قدراتهم على التكيف. ببساطة، لم يعد هناك مكان للذهاب إليه في غزة.

هناك نقص شديد في إمدادات المياه، ليس فقط لأغراض الشرب، ولكن أيضًا للصرف الصحي. يوجد في رفح مرحاض واحد تقريبًا لكل 850 شخصًا. الوضع أسوأ أربع مرات بالنسبة للاستحمام. أي حوالي حمام واحد لكل 3500 شخص. تخيلوا فتاة مراهقة أو رجلاً مسناً أو امرأة حامل، تقف في طابور ليوم كامل لمجرد الاستحمام.

الهجوم العسكري على رفح سيكون كارثياً فهي “مدينة الأطفال:، وبها حوالى 600 ألف طفل. وتضم رفح ما أصبح الآن أكبر مستشفى متبقي في غزة، “المستشفى الأوروبي”، الذي تولى الاتحاد الأوروبي تكاليف بنائه. 

قال جيمس إلدر: “عندما زرت المستشفى في شهر أبريل-نيسان، كان جراح الأطفال، الدكتور غابن، منحنياً فوق طفل صغير آخر اسمه محمود. كان يعاني من صدمة شديدة في الرأس جراء انفجار قنبلة أصابت منزل عائلته. ويتساءل الطبيب: “ماذا فعل هذا الطفل الصغير؟. كان الدكتور غابن قد أمضى 30 ساعة من مناوبته التي تبلغ 36 ساعة وكان يخشى من أن يفارق محمود الحياة عند عودته إلى مناوبته التالية … حدسه كان في محله … رحل محمود.

هذه واحدة من قصص عديدة من المستشفى الأوروبي حيث يبحث عشرات آلاف المدنيين عن ملجأ. وقد تمّ بناء وحدات العناية المركزة الجديدة في محاولة يائسة لمعالجة الجرحى. 

لكن لماذا أصبح المستشفى الأوروبي اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى؟ لأن النظام الصحي في غزة ببساطة تم تدميره بشكل منهجي. واليوم، تعمل 10 مستشفيات من أصل 36 بغزة؛ وكل واحدة منها تعمل جزئيًا فقط. وفي الوقت، الذي يحتاج فيه أطفال غزة إلى الرعاية الطبية بشكل لم يسبق له مثيل، أصبح ذلك ضربا من ضروب المستحيل.

يقول إلدر: “في الـ 31 أكتوبر-تشرين الأول، وصفت منظمة اليونيسف غزة بأنها مقبرة للأطفال. والشهر الماضي رأيت مقابر جديدة يجري بناؤها في رفح، كانت مليئة. يوميا تجلب الحرب المزيد من الموت والدمار العنيف. وخلال السنوات العشرين التي قضيتها مع الأمم المتحدة، لم أشهد قط دمارًا كذلك، الذي رأيته في مدينتي خان يونس وغزة. الآن يقال لنا أن نتوقع الشيء نفسه من خلال التوغل في رفح”.

عندما سمعوا قرار مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار منذ أكثر من شهر الآن، ملأ الأمل وجوه سكان رفح. قالت لي إحدى الأمهات: “قد تكون هذه هي الليلة الأولى منذ أشهر التي أستطيع فيها أن أعد ابنتي بأنها لن تُقتل في الليل”، لكن الأمر لم يستغرق سوى ساعات حتى يتم القضاء على هذا الأمل بالقنابل.

إن غزة تحتاج إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية وطويلة الأمد. كم مرة قلنا، بل طالبنا بذلك؟ يجب أن نرى إطلاق سراح جميع الرهائن، وإتاحة الوصول الآمن وغير المشروط للإغاثة الإنسانية، والمزيد من المعابر لمرور تلك الإغاثة.

يشعر الناس في غزة بالخوف من استمرار الفظائع. في شمال المنطقة، وبقرب المكان الذي تعرضت فيه سيارة تابعة لليونيسف لإطلاق النار الشهر الماضي، أمسكت امرأة بيدي وتوسلت مراراً وتكراراً أن يرسل العالم الغذاء والماء والدواء. لن أنسى أبدًا كيف حاولت، عندما شعرت بقبضتها، أن أشرح أننا نحاول، واستمرت في التوسل. لماذا؟ لأنها افترضت أن العالم لا يعرف ما يحدث في غزة. لأنه لو كان العالم يعلم، فكيف يمكن أن يسمح بحدوث ذلك؟

“كيف حقا”، تساءل إلدر… لقد تمّ تحذير العالم بالتأكيد بشأن رفح. ويبقى أن نرى كم من العيون ستبقى مفتوحة أو تغمضها آلة الموت بشكل ممنهج.

المصادر الإضافية • الغارديان

شاركها.
Exit mobile version