صراخ أيمن المستمر يعكس حجم الآثار النفسية الجسيمة التي ولدتها أصوات القصف المستمر الذي عانت منه العديد من مناطق الخرطوم خصوصا الأحياء الشرقية التي كانت أسرة أيمن تقطن إحداها.

بنبرة مأساوية تقول أميرة والدة أيمن لموقع سكاي نيوز عربية “منذ بدء القتال كان سكان الحي يعيشون رعبا شديدا؛ فالمنازل كانت تهتز على وقع الهجمات في الأماكن القريبة التي تركزت فيها الاشتباكات خلال الأيام الأولى… كان أيمن لا ينام ويغمرنا بالكثير من الأسئلة حول ما كان يجري حولنا…حاولنا بقدر المستطاع تهدئة روعه لكنه كان خائفا بشكل مزعج”. وتضيف “تمكنا بعد 20 يوما من الخروج من الخرطوم والسفر شمالا؛ لكن مخاوف أيمن لم تتغير وتطورت حالته إلى صراخ ليلي يدمي القلب“.

لم يتأثر الأطفال وحدهم بهول المعركة؛ إذ أصاب الإرهاق النفسي حتى الكبار بمن فيهم من تمكنوا من الفرار؛ وهو ما يعبر عنه الأستاذ الجامعي يوسف حميدة الذي غرد قائلا “اليوم أكملت شهرا كاملا منذ مغادرتي السودان فقط بجلباب وعمامة ولابتوب وموبايل وكانت نفسياتي كل يوم في الحضيض… رغم أني انضممت لأسرتي في لندن إلا أن كابوس الحرب لم يغادرني خاصة ما شهدته خلال الأيام الثلاثة الأولى والحبس في القبو مع طلاب وعاملين ومقتل أحد طلبة كلية الآداب بجامعة الخرطوم“.

وفي الواقع؛ يعيش أكثر من 60 في المئة من سكان مناطق القتال في الخرطوم حالة من التوتر وعدم الاتزان النفسي بسبب القتال الذي أجبرهم على ترك منازلهم وممتلكاتهم. ويرى اختصاصي الطب النفسي أن النسبة قد تكون أكبر من ذلك بكثير خصوصا أن الحرب فاجأت المدنيين وألغت المناسبات الاجتماعية وحولت برامج الأفراح والأعراس التي كان مخطط إقامتها خلال عيد الفطر الذي سبقته الحرب إلى عزاءات مفتوحة في كل مكان دون معزين حيث لم يمنح القتال المستمر السكان لتبادل العزاء مع جيرانهم بل وصل الأمر إلى حد دفن الجثامين في أفنية البيوت.

وفي هذا السياق يشير يسن القدال استشاري الطب النفسي إلى المصاعب النفسية الكبيرة التي تنجم عن فقدان الأقارب والأصدقاء والممتلكات؛ ويوضح “تتمثل بعض أعراض الحزن الشديد والمعقد نتيجة للفقدان؛ في الحزن المبالغ فيه والألم وسيطرة الأفكار الخاصة بفقدان الأشياء والأحباء وانعدام الإحساس وعدم الثقة في الآخرين والشك في الناس. “

ويضيف القدال إن الخطورة تكون أكبر عندما يكون الفقد مصحوبا بالعنف الشديد أو المفاجئ وبطريقة تكون قد عرضت حياتك أو من تحب للخطر. يصاحب الأعراض المذكورة أدناه مضاعفات مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات النوم وتدهور في أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري؛ ومواجهة صعوبات كبيرة في تنفيذ الأعمال الروتينية اليومية العادية والانعزال عن الآخرين والانسحاب من الأنشطة الاجتماعية.

ووفقا لتقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية فقد تزايدت حالات الإصابة بالأمراض النفسية في السودان بشكل ملحوظ خلال الفترة الأخيرة. وتفاقم الأمر أكثر بعد خروج مستشفى “التجاني الماحي” وهو المستشفى الرئيسي المخصص لرعاية المرضى النفسيين في الخرطوم عن الخدمة بعد الهجوم عليه وإخراج جميع المرضى فيه؛ إلى جانب تدمير أجهزته ومعامله ومخازن أدويته. وكان المستشفى يستقبل قبل تخريبه نحو 40 مريضا يوميا معظمهم من الشباب دون الثلاثين عاما.

وفي ظل تزايد الضغوط النفسية على السكان نتيجة الحرب؛ نشطت منظمات مجتمعية في تقديم العون النفسي للمتأثرين وذلك عبر فرق متخصصة في الطب النفسي. وتقوم تلك الفرق حاليا بزيارات منتظمة إلى الأحياء ومراكز الإيواء التي لجأ إليها المتأثرين في المدن الآمنة نسبيا.

وتعمل تلك الفرق بتنسيق مع المنظمات العالمية ومنظمات المجتمع المدني لتقديم الدعم النفسي للفئات المحتاجة القادمة من ولاية الخرطوم على وجه الخصوص؛ كما تقوم بتجهيز استبيانات للمساعدة في الكشف عن حالات الصدمات والتي من المتوقع حدوثها في ظل ظروف الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان المتمثلة في السرقة ودخول البيوت والابتزاز.

شاركها.
Exit mobile version